الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وتأتي بعد ذلك الخطوة الأكثر جرأة إذ تعمد المرأة إلى ملاءتها أو عباءتها أو معطفها فتلفها كالثوب الخرق وترمي بها بعيدًا عن ساحة الحياة وتخرج المرأة المسلمة لأول مرة في تاريخ إسلامها في درع سابغ مزين بالألوان المزخرفة تحته غلالة لطيفة وما فوقه شيء.ثم إذا بالمقص يتحيف هذه الثياب في الذيول والأكمام وفي الجيوب ولم يزل يجور عليها فضيقها على صاحبتها حتى أصبحت كبعض جلدها ثم أنها تجاوزت ذلك كله إلى الظهور على شواطئ البحر في المصايف بما لا يكاد يستر شيئًا ولم تعد عصمة النساء في أيدي أزواجهن ولكنها أصبحت في أيدي صانعي الأزياء في باريس وغيرها من اليهود ومشيعي الفجور.وقطعت المرأة مراحل التعليم المختلفة واقتحمت الجامعة مخالطة للرجال في الطرقات والمواصلات والمدرجات مزاحمة فيما يلائمها وفيما لا يلائمها من ثقافات وصناعات وشاركت في وظائف الحكومة ثم لم تقف مطالبها عند حد في الجري وراء ما سماه أنصارها حقوق المرأة أو مساواتها بالرجل وكأنما كان عبثًا خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى وأقام كل منهما فيما أراد بحكمته جل وعلا، وامتلأت المصانع والمتاجر بالعاملات والبائعات وحطم النساء الحواجز التي كانت تقوم بينهن وبين الرجال في المسارح وفي الترام وفي كل مكان فاختفت المقاعد التي جرت العادة بتخصيصها للسيدات بعد أن أصبحن لا يستحيين من مشاركة الرجال.تتابعت هذه التطورات في سرعة مذهلة ولم تدع فرصة للمعارضة وأعان على اندفاعها جو الثورة التي تلت الحرب وما كان يوحي به من جرأة ومن تمرد على كل قديم وقد ظهرت طلائع ذلك في مظاهرة النساء المشهورة في مارس سنة 1919 التي طافت بشوراع القاهرة هاتفة بالحرية في طريقها إلى دار المعتمد البريطاني لتقدم إليه احتجاجا مكتوبًا على تعسف سلطات الاحتلال وقد كان عدد المتظاهرات يربو على الثلاثمائة وعلى رأسهن صفية زغلول وهدى شعراوي وهذه المظاهرة هي التي قال فيها حافظ إبراهيم يصف تعرض الجيش البريطاني لها متهكمًا:
وتجرأت المرأة منذ ذلك الوقت على المشاركة في القضايا الوطنية وفي مختلف الميادين الاجتماعية فتألفت لجنة مركزية للسيدات الوفديات شاركت مشاركة فعالة في حركة المقاطعة الاقتصادية سنة 1922 وتزعمت صفية زغلول حرم زعيم الثورة الأول وكريمة مصطفى فهمي باشا هذه الحركة الأولى التي طفرت بالمرأة إلى وضع لم يحلم به قاسم أمين أن تبلغه في مثل هذه المدة الوجيزة وبهذه السهولة وغفلت عين المعارضين من المحافظين عن هذه الخطوات الجريئة التي أضفى عليها جو الثورة لون من النبل حفظها من أن تهاجم أو تمس.ثم تنبه المعارضون فإذا المرأة ماضية قدمًا في استئناف الطريق التي وضعت قدمها على أوله باشتراكها في ثورة 1919 فأخذت تؤسس الجماعات وتقيم الحفلات وتعقد الندوات والمحاضرات وتزعمت هذه الحركة النسوية هدى شعراوي وتجرأت هذه المتزعمة على ما لم تتجرأ عليه امرأة مسلمة من قبل فسافرت إلى باريس وإلى أمريكا لدراسة شئون المرأة وأخذت تلقي بالتصريحات والأحاديث لمندوبي الصحف وجزع المحافظون لما صحب هذه الحركة من ميل إلى التبرج ومن نزوع إلى التحرر والانطلاق وأنكروا ما رأوا من تغير حال المراة ومن جرأتها على التقاليد وتمردها على سلطة الأب والزوج وراحوا يتابعون في ذهول تطور الزي وتقلص الثوب فوق جسدها في سرعة تجاوزت كل ما يتخيلون من حدود.يقول عبد المطلب ناعيًا على النساء تقصير الثياب والتبرج: كان تيار السفور والتبرج جارفًا لم تستطع صيحات المحافظين أن تقف في وجهه بل لم تستطع أن تقلل من حدته أو تخفف من سرعته ولكن ذلك لم يكن ليثنيهم عن التنبيه والتحذير على كل حال. .صيحة نذير: وهذا هو شكيب أرسلان ينشر مقالًا عن السفور والحجاب.يحاول أن يقدم للناس درسًا يستنبط فيه العظة من تطورات السفور في تركيا فيعرض للمراحل التي مر بها ليبين أن الدعوة إلى نزع الحجاب هي مرحلة تهيئ لما يليها من الدعوات التي ترمي إلى هدم أحكام الإسلام فيقول فيما يقول:عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908 قال أحمد رضا بك من زعماء أحرار الترك: ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علنًا مع المرأة التركية على جسر غلطة وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستورًا ولا حرية فكانت هذه المرحلة الأولى وفي هذه الأيام بلغني أن أحد مبعوثي مجلس أنقرة الكاتب رفقي بك الذي كان كاتبًا عند جمال باشا في سورية كتب: إنه ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت ولو كان من غير المسلمين بل ما دامت لا تعقد مقاولة مع رجل تعيش وإياه كما تريد مسلمًا كان أو غير مسلم فإنه لا يعد تركيا قد بلغت رقيًا فهذه هي المرحلة الثانية.ثم يقول: شكيب أرسلان:فأنت ترى أن المسألة ليست منحصرة في السفور ولا هي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجئ كيفما تشاء بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصل بعضها ببعض لابد من أن ينظر الإنسان إليها كلها من أولها إلى آخرها فإذا كان ممن يرى حرية المرأة المطلقة فعليه أن يقبلها بحذافيرها.أما أن نجمع بين حرية المراة وعدم حريتها وأن نطلق لها الأمر تذهب حيث أرادت وتحادث من أرادت وتضاحك من أرادت وتغامز من أرادت ثم إذا صبا قلبها إلى رجل من غير جنسنا فذهبت وساكنته وكان بينها وبينه ما يكون بين الرجل وزوجته أقمن القيامة ودعونا بالمسدس وقلنا: يا للحمية يا للأنفة يا للغيرة على العرض! فهذا لا يكون! وليس من العدل ولا من المنطق أن يكون.ثم يقول: والنتيجة التي نريدها قد حصلت وهي أن سلوكنا مسلك الأوربيين حذو القذة بالقذة في هذه المسألة هذا له توابع ولوازم لابد أن نقبلها ولا يبقى معها محل لكلمة: أعوذ بالله كلا! لا يوجد هناك أعوذ بالله بل تلك مدنية وهذه مدنية تلك نظرية وهذه نظرية وعلينا أن نختار إحدى المدنيتين أو إحدى النظريتين مهما استتبعت من الأمور التي كان يقال في مثلها عندنا: أعوذ بالله. اهـ.وقد كان الذي قاله شكيب أرسلان وتوقعه في سنة 1925 صحيحًا تمامًا فلم تمض عليه ثلاث عشرة سنة حتى ارتفع صوت يقول تحت عنوان: بعد السفور:إننا لم نخط بعد الخطوة الحاسمة في سبيل تطبيق روح الحضارة العصرية على عاداتنا وأخلاقنا وأساليب حياتنا إن نساءنا العصريات المتعلمات اللواتي يطالعن الصحف ويقرأن القصص ويغشين المسارح ودور السينما ما يزال يحال بينهن وبين الظهور في المجتمعات البيتية أمام رجل غريب فنحن قد سلمنا بمبدأ تعليم نسائنا ولكنا لم نسلم بعد بقدرة هؤلاء النساء على الانتظام في حفل كبير يضم عددًا من أفراد الجنسين ويتألف منه مجتمع مصري مختلط أشبه بالمجتمعات الأوربية التي نشهدها في مصر ونحسد الأجانب عليها.ثم يقول: وقد ترتب على ذلك أنك أصبحت ترى امرأة صديقك السافرة في الشارع وفي المحل التجاري وفي دار المسرح أو السينما ثم لا تستطيع أن تراها في بيتها لتتفهم حقيقة شخصيتها وتعرف كيف تعيش؟ وكيف تشعر؟ وكيف تفكر؟ أصبحت تبصرها في الحياة العامة وتعجب بها ولكنك متى أردت تهذيب عواطفك وصقل إحساساتك ومشاعرك بالجلوس إليها والتحدث معها وإشراكها في المسائل التي تشغل عقلك وعقل مواطنيك حيل بينك وبينها واتهمت بفساد النية وسوء القصد.ثم يزعم الكاتب في مقاله أن المجتمع المختلط هو الذي يقرر مسافة الخلف بين الجنسين ويقيم علاقات بين الرجل والمرأة على قاعدة التفاهم الفكري العاطفي.ثم يدعو الكاتب المصريين لأن يطردوا من عقولهم: الاعتقاد الشرقي الشائع بأن الرجل والمرأة متى التقيا فلابد أن ينهض الشيطان بينهما وينفث في نفسيهما سموم الرذيلة والشر هذا هو سر تأخرنا وهو بقايا عصور الجهل والخوف والظلام. اهـ. كلامه.شعر:وإذا كانت هذه أدنى ثمرات السفور فلننظر إلى أقصى ثمراته المريرة لندرك الهدف الذي يدعو إليه المتحررون: جاء في مجلة صباح الخير ما نصه:إن نظام الزواج في وطننا العربي هو نظام مضحك يدعو إلى السخرية: مهر وعقد.. مظاهر جوفاء تقتل فيها الإرادة وتقتل المشاعر الإنسانية. اهـ.والآن يا أختي المسلمة:هل أدركت مدى فطنة فقهائنا لما حرموا السفور سدًا للذريعة؟وهل لك أن تسمعي هذه النصيحة من شيخ ناصح أمين:إن بداية السفور والتبرج الجاهلي الذي عليه جل نساء المؤمنين اليوم في ديار المسلمين إنما بدأ من كشف الوجه بإزالة البرقع والنقاب عنه حتى بات وأصبح وأضحى وظل وأمسى من المعلوم بالضرورة: أن من كشفت من الفتيات عن وجهها اليوم ستكشف غدًا حتمًا عن رأسها وصدرها وساقيها وحتى فخذيها ولا يجادل في هذا أو لا يسلمه إلا مغرور مخدوع أو مضلل مغرر مخادع يعمل لحساب الماسونية العالمية التي جعلت من أهدافها القضاء على الإسلام عقيدة وبيتًا ومجتمعًا ودولة.. وبناء على هذا فإن اليد التي تحاول أن تحسر الحجاب عن وجه فتياتنا اليوم ينبغي الضرب عليها وإن اللسان الذي يدعو فتاتنا إلى نزع الحجاب بإسقاط ملاءتها ينبغي أن يقطع.ويقول فضيلته محذرًا من المغررين:إنهم اليوم لا يطلبون منك أكثر من كشف وجهك وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه بين أهل العلم في كونه الزينة التي يجب أن تخفيها المسلمة أو من غير الزينة مما لا يجب عليها إخفاؤها.. غير إنهم يعلمون علم اليقين- بحكم التجارب الطويلة العديدة- أنك يوم تكشفين عن وجهك ويذهب ماؤه وحياؤه ستكشفين لهم عما عدا ذلك. اهـ.وصدق الشيخ سعيد الجابي رحمه الله إذ قال: وصدق الشاعر أحمد شوقي حين قال: وقال آخر:
|